يورانيوم النيجر وإضاءة باريس
مقال منقول من محلة المجلة
القارة الأفريقية هي مصدر وفير للثروات المعدنية والطبيعية، إذ تزخر باحتياطي هائل من هذه الثروات وأهمها خام اليورانيوم الذي تنتج القارة نحو 20 في المئة من إنتاجه العالمي.
استغلت فرنسا على مدى نصف قرن غياب المنافس الاقتصادي والسياسي، كما استغلت عوامل الفقر والجهل في الدول الأفريقية الغنية بالثروات الطبيعية، وحاجات هذه الدول إلى مساندات سياسية واقتصادية وعسكرية ملحة: كحاجة النيجر إلى الإفادة من مخزونات اليورانيوم في أرضها وضمان أكبر قدر من الاستغلال لموارد المنطقة الطبيعية.
لربما المتداول في وسائل الإعلام صحيحا، لجهة أن فرنسا ترى النور من ثقب النيجر المظلمة. فهل صحيح أن على النيجر أن تؤمّن اليورانيوم من مناجمها كل صباح لإضاءة باريس، وهل صحيح أن 90 في المئة من سكان النيجر ينامون في نهاية اليوم من دون كهرباء؟ قد يكون من حق فرنسا أن تدافع عن مصالحها بالتدخل السياسي في النيجر، إذ سرعان ما تبنى قادة الإنقلاب خطابا معاديا لها بهدف حشد الدعم الشعبي، وأعلنوا تعليق تصدير اليورانيوم إلى فرنسا.
"استيراد فرنسا من اليورانيوم على مدى العقد الأخير، جاء بشكل أساسي من ثلاث دول: كازاخستان (27%)، النيجر (20%)، وأوزبكستان (19%)، ويُعدّ اليورانيوم المستخرج من النيجر موردا طبيعيا ضروريا لتشغيل محطات الطاقة النووية الفرنسية، وقد استغل لأكثر من نصف قرن من خلال شركة مملوكة بنسبة 90 في المئة لفرنسا". صحيفة "لوموند".
للدلالة على ذلك، يستفاد من أرقام وكالة "رويترز" أن فرنسا تعد واحدة من أكثر الدول التي تعمل بالطاقة النووية في العالم، حيث تنتج عادةً أكثر من 70 في المئة من الكهرباء بأسطولها المكون من 56 محطة وتوفر نحو 15 في المئة من إجمالي الطاقة في أوروبا من خلال صادرات الكهرباء. وعندما انخفض إنتاج فرنسا النووي إلى أدنى مستوى له منذ 30 عاما، أجبرت على استيراد الكهرباء وإعداد خطط لانقطاع التيار الكهربائي أثناء الذروة في فصل الشتاء.
ونشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية ان استيراد فرنسا من اليورانيوم جاء بشكل أساسي مدى السنوات العشر الماضية، من ثلاث دول: كازاخستان (27%)، النيجر (20%) ، وأوزبكستان (19%)، حيث تلعب النيجر دورا مهما في الإمدادات الفرنسية، لكن بعض السياسيين يبالغون في تقدير أهميتها. ويُعدّ اليورانيوم المستخرج من النيجر موردا طبيعيا ضروريا لتشغيل محطات الطاقة النووية الفرنسية، وقد تم استغلاله لأكثر من نصف قرن من خلال شركة مملوكة بنسبة 90 في المئة لفرنسا، تشغل ثلاثة مناجم يورانيوم في النيجر. من الواضح، إذاً، ان باريس اذا فقدت هذا المورد فسوف تعيش أزمة طاقة كارثية. هذا بالإضافة إلى أن المحطات النووية الحالية البالغ عددها 56 في فرنسا يبلغ متوسط عمرها حاليا 37 عاما وتدرس فرنسا احتمال تمديد عمر المفاعلات النووية الفرنسية إلى 80 عاما، على ما ذكرت الصحيفة.
ضاعفت باريس عمليات استخراج اليورانيوم من النيجر وذلك بدعم غير مبرر مما يسميه البنك الدولي "البلدان غير الملوثة"، ومصطلح "تلويث النيجر أرخص من تلويث فرنسا".
لكن، أين ذهبت ثروات مناجم اليورانيوم في النيجر على مدى أربعة عقود؟
يظل الجواب غامضا عن هذا السؤال، علما أن المناجم الرئيسة تديرها شركة فرنسية، في حين أن النيجر تعتبر إحدى أفقر الدول الأفريقية على الرغم من ثرواتها الطبيعة الضخمة، بل يصعب على مصادر الدخل القومي للبلاد تقدير تلك العوائد فعليا، وتتلقى النيجر نحو ملياري دولار سنويا في شكل مساعدات إنمائية وفق البنك الدولي.
من المفارقات ان بعض دوافع الامتعاض الشعبي ليس فقط سرقة ثروات النيجر بل أيضا تعرض آلاف الأشخاص في النيجر للإشعاع الناجم عن مناجم اليورانيوم التي تديرها شركات فرنسية قامت بتشغيل هذه المناجم لما يقرب من نصف قرن، كما أن العدد المتزايد للوفيات والأمراض يُعزى إلى التلوث الناجم عن المناجم، واستمرار الإبادة البيئية. وبات من الواضح منذ إغلاق آخر 230 منجما لليورانيوم في فرنسا في عام 2001، أن باريس ضاعفت عمليات استخراج اليورانيوم من النيجر وذلك بدعم غير مبرر مما يسميه البنك الدولي "البلدان غير الملوثة"، ومصطلح "تلويث النيجر أرخص من تلويث فرنسا