في السنغال: بسيرو ديوماي فاي من السجن إلى الرئاسة في أقلّ من أسبوعين/ قلعة فرنسية أخرى تنهار في غرب أفريقيا باسيرو ديوماي فاي، الذي لم يبلغ من العمر إلا 44 عامًا، والذي يشغل منصب رفيق درب لزعيم حزب "باستيف" الذي تم حله، قد تم انتخابه مؤخرًا رئيسًا لجمهورية السنغال من الجولة الأولى بأغلبية تزيد عن 56% من الأصوات. منافسه، أمادو با، ممثل الحزب الحاكم، احتل المركز الثاني بأكثر من 31% من الأصوات، مما يجعل فاي ينتقل من ظلمات السجن إلى رحابة القصر الرئاسي في أقل من أسبوعين. فاي، حامل درجة الماجستير في القانون، والذي التحق بالمدرسة الوطنية للإدارة والقضاء بدكار في عام 2004، عُيّن بعد تخرجه موظفًا في دائرة الضرائب والعقارات. من هذا المنصب، بدأت مسيرته ولقائه الأول برفيق دربه وصديقه في النضال السياسي، عثمان سونكو. علاقتهما ازدهرت في عام 2014 بعد تأسيس سونكو "نقابة خاصة باتحاد الضرائب والعقارات"، حيث اشترك الصديقان في الدفاع عن مصالح النقابة. مع مرور الوقت، اتخذ فاي وسونكو خطوة جريئة بإعلان تأسيس حزبهما، "باستيف"، والذي لاحقًا تم حله. من خلال هذه المنصة، خاضا معًا معارك انتخابية شرسة، سواء في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية، معتمدين على استراتيجية مدروسة وبرامج حزبية مبتكرة لخوض غمار الانتخابات الرئاسية لعام 2019. على الرغم من جهودهما المضنية، إلا أن نتائج الانتخابات لم تحقق طموحاتهما، حيث جاء سونكو في المرتبة الثالثة بنسبة تقارب 16% من الأصوات، لكن مسيرتهما في النضال السياسي لم تتوقف عند هذا الحد. استمر باسيرو ديوماي فاي وعثمان سونكو في نهجهما السياسي بتكتم ودقة حتى شهر فبراير 2021، حينما تولى فاي منصب الأمانة العامة لحزب باستيف بعد الحادثة الصادمة التي شهدت اعتقال سونكو بأمر من وزارة الداخلية على خلفية اتهامات بالاغتصاب في مؤامرة واضحة. في تلك الفترة، وجد مخططو حزب باستيف في قضية الاغتصاب فرصة لتعزيز مكانتهم، موحدين صفوف المعارضة واستعدادًا للانتخابات التشريعية في 2022، والتي شهدت انتصارًا مبهرًا للمعارضة التي سحقت الحزب الحاكم وانتزعت 56 مقعدًا في إطار تحالف "تحرير الشعب" بحلول انتخابات 2024، وبعد قرار حل حزب باستيف ومنع سونكو من الترشح نتيجة المؤامرة، وُضع فاي في السجن بتهم متعددة. ولكن، بتاريخ 20 يناير 2024، عندما نشر المجلس الدستوري القائمة النهائية للمرشحين، لم يكن اسم سونكو مدرجًا، الأمر الذي لم يكن مفاجئًا بالنظر إلى المعارك القانونية التي خاضها. ومع ذلك، كان لسونكو خطة بديلة، حيث ترشح رفيقه فاي، الذي كان في السجن وتم الإفراج عنهما 14 مارس 2024 بعفو رئاسي، بغية تهدئة البلاد من القلاقل. الشعب السنغالي، الذي كان مؤهلًا مسبقًا لاحتضان برامج حزب باستيف، لم ينس السنوات القاسية من الفساد تحت نظام ماكي سال. من خلال مظاهرات عديدة والتضحية بأرواح الكثيرين دفاعًا عن مبادئ سونكو وحزبه، اعتنق السنغاليون هذه المبادئ كطريق نبيل يستعيد به السنغال مكانتها ويطهر فساد قطاع الطاقة الذي ارتبط بأقرباء ماكي سال. أنصار حزب باستيف، الذي تم حله، شنوا حملة انتخابية عنيفة وقدموا برنامجًا انتخابيًا يحمل طموحات عظيمة، أبرزها توفير فرص عمل للشباب السنغالي والقضاء على الفساد، مع التعهد بإعادة النظر في العقود الفرنسية المتعلقة بملف الغاز. استغل باسيرو ديوماي فاي نضال عثمان سونكو وشعبيته الواسعة، خاصة بين الشباب، ليُعلن فوزه في الانتخابات الرئاسية السنغالية بفارق مريح في النتائج الأولية، متفوقًا على ممثل النظام، الوزير أمادو باه، الذي انتقد احتفالات المعارضة وأنصارها بالفوز قبل الإعلان الرسمي. صبر باسيرو وحليفه عثمان سونكو وأتباعهم على معاناة الأذى، إذ أن برنامجهم كان يعرقل مصالح فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة. فرنسا، بالتعاون مع السلطة القائمة تحت قيادة ماكي صال، عملت ضدهم، لكنهم لم يتركوا سبيلاً إلا وسلكوه لترسيخ برنامجهم في صناديق الاقتراع. من خلال الاحتجاج السلمي وحتى العنيف، إلى استخدام القضاء وإيجاد قوة واضحة في الحضور الإعلامي والاستغلال الأمثل لوسائل التواصل الاجتماعي، تمكنا من تقديم برنامج يعكس رؤية جيل الشباب، الذي لم يختبر الاستعمار ويسعى لإزالة آثاره وتطوير السنغال بأطر جديدة. هكذا، منح الشعب ثقته لباسيرو فاي، ليتحول من مواطن مجهول إلى قائد الدولة. ما يبعث على الإعجاب في شخصية عثمان سونكو، زعيم حزب باستيف، ليس فقط كونه سياسيًا بكاريزما قوية، بل هو أيضًا قائد محنك، بدليل أنه كان لديه خطة بديلة لترشيح باسيرو ديوماي في حال تم إقصاؤه. هذا الاستعداد لتجاوز "الأنَا" لديه يمثل درسًا لم يلتقطه زعيم المعارضة هما أمادو في النيجر 2016 وكريم واد، وخليفة سال في انتخابات السنغال عام 2019، حيث لم يبحثوا عن خطط بديلة حال استبعادهم.