مع جفاف الأنهار في أوربا والعديد من بقاع العالم، وتوالي الكوارث الطبيعية والبيئية والصحية، والاقتراب من شفا صراعات وحروب نووية مدمرة بين أقطاب العالم، أصبح المناخ مواتيا ليرتفع ذلك الصوت الذي كان يهمس بأن نظرية “قارب النجاة” هي الآن قيد التنفيذ.
وهي تلك النظرية التي نسبت إلى نظريات التنمية -زورا وبهتانا – والتي تصور أن سكان العالم يستقلون مركبا مزدحما في عرض البحر يكاد يغرق بهم، وأنه يجب التخلص من بعضهم ليتمكن الآخرون من النجاة.
ونظرًا إلى وحشية تلك الرؤية جرى تخفيف وقعها على الأسماع على يد جاريت هاردن أستاذ علم الأحياء بجامعة كاليفورينا الأمريكية بقوله إن العالم الغني يعيش في قارب مزدحم، أما الدول النامية فسكانها في الأسفل يصارعون الغرق في بحر من الجوع والأمراض والأوبئة والصراعات، وسيكون خطأ جسيما أن يسمح الأغنياء لهم بالتعلق بالمركب، وإلا فسيموتون جميعا، ولذلك يجب قطع المعونات بكافة أشكالها عنهم.
وهو التعديل الذي يساوي صراحة طرح المخايرة بين أن يموت الناس بطلقات الرصاص المباشر أو العشوائي، مع أن الألم والنهاية واحدة.
كما قدم رجل دين إنجليزي يدعى توماس مالتوس منذ قرنين نظرية لاقت اهتماما كبيرا لدى الساسة الاستعماريين آنذاك، تؤكد أن نمو الإنتاج في العالم لا يتواكب نهائيا مع زيادة عدد سكانه، مقترحا تصحيح الخلل باستخدام تدابير وقائية للسيطرة على هذا النمو، وتشمل هذه التدابير تنظيم الأسرة، وتشجيع العزوبة وتأخّر الزواج.
ولا نعرف بعد هل اللجوء إلى هذه النظريات والتخلص من الفقراء أو سكان العالم النامي هو الحل لإنقاذ العالم، أم أن هناك تخطيطا جرى لإفقار هذا العالم وخاصة الإسلامي منه وتفجيره بالصراعات الداخلية، وإفشاله طمعا في الوصول إلى تلك النتيجة؟
الحي والميت
كما لم يقل لنا المنظرون كم عدد سكان العالم المطلوب إنقاذهم، ولا المطلوب إغراقهم أو تركهم يموتون غرقا، إلا أن الإجابة هنا تأتي من المجهول.
المجهول يمثله ما يعرف بألواح جورجيا “الولاية الأمريكية” حيث عثر فيها على خمسة ألواح جرانيتية فخمة يعتقد أنها صنعت في أوج غمار الحرب الباردة عام 1980 ولا يعرف صانعها.
يزن الحجر الواحد منها 40 طنا بطول خمسة أمتار نقشت فيها عشرة وصايا بالعربية والعبرية والبابلية واليونانية والسنسكرينية والهيروغليفية، والإنجليزية، والإسبانية، والسواحلية، والهندية، والصينية، والروسية، ويعتبر الكثيرون أنها هي ذاتها وصايا الماسونية.
وكان من أهمها: ابقوا عدد الجنس البشري أقل من 500 مليون نسمة في توازن دائم مع الطبيعة، وجهوا التناسل البشري مع تحسين اللياقة البدنية والتنوع، وحدوا الجنس البشري بلغة جديدة معاصرة، تحكموا في العاطفة وفي العقيدة وفي التقاليد وفي جميع الأشياء بمنطق معتدل.
كما تأتي إجابة أخرى من سياسيين أمثال “سوسان جورج” مدير شؤون الشرق الأوسط في الأمم المتحدة التي كشفت في كتابها “تقرير لوغانو” أن فريقا غربيا متعدد الجنسيات يضم سياسيين وعسكريين ورجال مخابرات وعلماء أعدوا في تسعينيات القرن الماضي تقريرا عملوا على تنفيذه للحد من تنامي الأجناس الأخرى غير الغربية، عبر الحد من تطور الرعاية الطبية وزيادة نسبة الخصوبة.
ويأتي الرد أيضا من هينري كسينجر وزير خارجية أمريكا الذي أشار أيضا إلى وجوب أن يكون لتخفيض عدد سكان العالم والعالم الثالث خاصة الأولوية القصوى للسياسة الخارجية الأمريكية.
وأوصي في وثيقته السرية NSSM-200 التي أعدها عام 1974 ورفعت عنها السرية عام 1990 ووضعت في الأرشيف الوطني الأمريكي؛ بضرورة العمل على خفض عدد سكان 13 دولة نامية من أجل تأمين مصادر الخامات وهذه الدول هي مصر، وتركيا، وبنغلاديش، وباكستان، ونيجيريا، والمكسيك، وإندونيسيا، والبرازيل، والفلبين، وتايلاند، وإثيوبيا، وكولومبيا، والهند.
كما فأجأ تيد تورنر إمبراطور الإعلام الأمريكي -وهو صاحب عدة قنوات عالمية منها CNN- العالم، في مقابلة مع مجلة أودوبون عام 2008 بتأكيده أنه “سيكون إجمالي عدد سكان العالم من 250 إلى 300 مليون شخص في عام 2025”.
القتل الرحيم
بالطبع لم يدع مؤيدو هذه النظرية وهم كثيرون في المجتمعات الغنية في الشرق والغرب إلى القتل المباشر لسكان العالم بالطريقة التي صورتها مجموعة أفلام مارفل الأمريكية وخاصة في جزئها الرابع حيث يسعى “ثانوس” الشرير الذي يمتلك كافة مقومات الذكاء والقوة المطلقة لإبادة أعداد كبيرة من البشرية باستخدام تلك القوة.
ولكن عبر أهم تلك الوسائل التي أجمعت عليها كافة التقارير والتي يمكن إيجازها في عبارة واحدة وهي محاربة الأسرة بصورتها التقليدية، من خلال تشجيع العزوف عن الزواج التقليدي، والشذوذ الجنسي والانحراف الأخلاقي، وتحديد النسل، والإجهاض، وخفض نسب الخصوبة، وتدمير الاستقرار الأسري بعوامل اجتماعية أو اقتصادية.
ولم تتضمن التقارير الأساليب الأشد قسوة التي يتفجر من حين إلى آخر ما يدعمها من أخبار مثل نشر الأوبئة والأمراض وتسميم الماء والطعام والهواء، وخفض الرعاية الصحية، وتفجير الصراعات والحروب، ونشر الآفات التي تبيد الزراعات والمحاصيل. ولعل تتالي تفشي الأوبئة في الأعوام الأخيرة قد فتح مجالا لذلك.
المفيد في الأمر أننا الآن صرنا على علم بتلك المؤامرات التي تحيط بنا من كل جانب، في حين كانت الأجيال السابقة تتجرع مراراتها ولكن لا تستطيع بلورتها، وبالطبع حينما تكشف المؤامرة مبكرا فحتما ستفشل كليا أو جزئيا.
والأهم من ذلك أن نتيقن أن الله وحده هو الذي يحيي ويميت، مع ضرورة توخينا ما أمرنا به من كياسة وحذر.
المصدر : الجزيرة مباشر