مواعظ من سورة الكهف ..


.

حين كنا أطفالاً وقرأنا للمرة الأولى سورة الكهف عصر قلوبنا قول الرجل الصالح لموسى عليه السلام ...."هذا فراق بيني وبينك" وقلنا لو أنه صبر ..؟ كنا نرغب في المزيد لكن لما كبرنا عرفنا أن هناك دائما حدا تقف عنده الأشياء وكان علينا أن نرضى بأن يكون الفراق إحدى ركائز الحياة التي لا تستقيم الأمور بدونها والتي - للمفارقة - تنهار الأمور أيضاً بها ..!

تعلمنا أن الفراق ضروري من أجل أن تكتمل دورة الحياة .. أناس تولد وأناس تموت ..البعض يسافر والبعض يعود .. حب يولد وآخر يموت ..

تعلمنا أن نصبر على لوعة الوليد حين يفطم وقلنا سينسى ..

تعلمنا أن نفارق من نحب حين يغيبهم الثرى أو بعد المسافات ..

في الحديث أتاني جبريل فقال : "يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفارقه، وأعمل ما شئت فإنك مجزى به ".

هناك مواقف أيقظتني وصنعتني من جديد وهناك علاقات توقعت منها الكثير ووجدت منها القليل ،،

وهناك دروس لم تكن بالحسبان لكنها علمتني الانتباه !!

النخلة يتأخر حصادها لشهر الصيف حتى يتكون الرّطب ، و يتأخر أكثر ليتحول إلى تمر به من لذّة السكر حلاوة . ... يطول الطريق ثم ما نلبث أن نصل للنهاية حتى ننسى ألم البداية ..

هكذا هي الأشياء الأكثر جمالاً ، لا تأتِ بطرقة باب واحدة و إنما بكثرة الطرق.. وهكذا فالله سبحانه وتعالى يمنع عنّا الجميل ليُعطينا الأجمل ..

عطاياه كثيرة و لكنه يُعجل لنا أمور ويؤجل أُخرى لحكمة لو عرفناها لبكينا ليلاً نهاراً على تأجيلها ،،،

(عرفان بالجميل)"يدهشني ويؤلمني أن أستحضر قول الرسول صلى الله عليه وسلم "إنّ حُسنَ العهدِ من الإيمان"

هي إيماءة توقظ الوفاء لأهل العطاء!

وتربي في المتربي أن يلتفت في طريق الحياة، ولا يغيب عن باله ولا يتغابى عمن أسدى إليه جميلا -ولو لمرة واحدة!-

{إنّ أبي يدعوك ليجزيَك أجر ما سقيت لنا}

فالنبلاء لا يضيع عندهم معروفٌ، بل الأمر لا يستدعي استحضارًا ولا تذكّرًا في كثير من الأحيان والأحوال ..

فبين الوفاء والجفاء تبدو سلوكيات نحسبها صغيرة وهي ليست كذلك!