“ وانك لعلى خلق عظيم
لا مديح بعد هذا المديح لا مديح قبل هذا المديح لا مديح أعلى من هذا المديح المادح: الله الممدوح: محمد المديح: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ وما هي أخلاقه؟ سُئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هذا السؤال.. فردت بثلاث كلمات اختصرت صفاته، وطباعه.. وقالت: كان خُلُقُهُ القرآن. ما هو نصيبك - أنت - من هذه الأخلاق القرأنية؟! كل عبادة هي تدريب لك لتكون إنساناً أفضل وأجمل. والله سيغفر تقصيرك في العبادة، ولكنه لن يغفر تقصيرك - في التطبيق العملي لتدريبك - اذا قصّرت في حقوق العباد. أنت لن تزيد خالقك شيئا إذا صليت له.. دون أن تقوم هذه الصلاة بتنظيفك وتطهيرك وترتيبك وترتيب مواعيد يومك، وتعليمك النظام: ينتظم مليون مُصلي في الحرم في صفوف مرتبة منظمة.. ولا يستطيع عشرة منهم ان ينتظموا أمام شباك في مؤسسة خدمية! أنت لن تزيد خالقك ورازقك بشئ عندما تمتنع عن الطعام وتصوم له.. ما فائدة «تدريب» الصيام إذا خرجت منه دون أن تشعر بجوع جارك؟! ﴿ إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ﴾ ﴿ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ﴾ ﴿ فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ﴾ ﴿ فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها ﴾ حتى الحج هذه الفريضة المهمة والعبادة العظيمة.. لا تشرع لك حتى تقضي «دَينك» الذي عليك للناس: الدَين أوجب من الدِين.. سدّد حقوق الخلق، ثم سدّد حقوق الخالق. من الذي قال لك أن إسلامك يدخل معك للمسجد ويخرج من نفس الباب الذي تخرج منه! المسجد يأخذ من يومك - الأربع وعشرين ساعة - ساعة واحدة فقط... من أنت خلال الـ ٢٣ ساعة المتبقية؟! إسلامك يخرج معك إلى الشارع: يعلمك كيف تمشي ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ يدعوك لأن تبتسم في وجوه الناس، ويقول لك: الابتسامة في وجه أخيك صدقة يعلمك آداب الحديث: ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ يدعوك لأن تكون فاعلاً وناشطاً مع مجتمعك المدني، حتى ولو كان العمل الذي تمارسه تنظيف شوارع المدينة، عبر (إماطة الأذى عن الطريق) إسلامك يذهب معك إلى مقر عملك: ويدخل قبلك إلى مكتبك، ويقف بجانب «المراجع» الذي ينتظر إنجازك لمعاملته المتأخرة! إسلامك يدخل معك إلى السوق ويبيع لك ويشتري منك. إسلامك يطرق باب منزلك قبل أن تدخله، ويشاركك في تربية أولادك، ويخلق المودة والرحمة مع نصفك الآخر.. ويأخذك إلى السكينة والطمأنينة.. وإن خاصمت أو خالفت يريدك أن تكون إنساناً نبيلاً: تغضب بهدوء.. وتخالف بإحسان. إسلامك يغسل يديك، ويذهب معك إلى المائدة، ويعلمك آداب الأكل - قبل أن تعرف البشرية البروتوكولات والاتيكيت والذوق - ويقول لك: كُل مما يليك. إسلامك يقول لك في ألف موضع: حقوق الخلق أهم من حقوق الخالق! هل تعي هذه المسألة.. يا مسلم؟! أنت مسكين إن كنت تظن أنك مسلم - فقط - عبر هذه الحركات التي تمارسها خلال دقيقتين، وتسميها: صلاة! إسلامك يدعوك للتفاؤل والفرح: ﴿لا تهِنوا﴾ ﴿لا تحزنوا﴾ ﴿لا تيأسوا﴾ ﴿لا تقنطوا﴾ هل هذه طباعك وصفاتك؟ إسلامك يُوصيك: ﴿فتبينوا﴾ ﴿فأصلحوا﴾ ﴿وأقسطوا﴾ ﴿لا يسخر﴾ ﴿ولا تلمزوا﴾ ﴿ولا تنابزوا﴾ ﴿اجتنبوا كثيرا من الظن﴾ ﴿ولا تجسسوا﴾ ﴿ولا يغتب﴾ فما الذي تطبقه من هذه الوصايا في حياتك اليومية؟! من الذي قال لك إن الإسلام «شكل».. وأنساك المعنى والجوهر؟ من الذي قال لك أنه طقوس تعبدية فقط، ونسيت أنه أخلاق تتخلق بها وطباع تطبعك؟ للأسف - بهذا الشكل - أنت: الصورة المشوهة للإسلام! أنظر إلى مجتمعك - وبقية المجتمعات التي تظن إنها إسلامية - هل هم مسلمون حقاً؟! هل الشارع الإسلامي: شارع فوضوي.. و القاذورات تملأ أرصفته؟! هل من الطبيعي أن تنتشر الرشوة والفساد والمحسوبية والغش في مجتمع يصف نفسه بأنه مجتمع مسلم؟! أنتم: الصورة المشوهة للإسلام! هذه الصورة للفرد والمجتمع أمامك.. و أحسبها بعقلك - وبإنصاف - هي واحدة من أثنتين: إما أن الإسلام - حاشاه - يعاني من خلل ما.. أو أنكم مسلمون بالوراثة.. فقط، وتظنون أنكم مسلمين!! قال تعالى: ﴿ لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة ﴾ راجع طباعك، وصفاتك، وعلاقاتك، وتصرفاتك اليومية… هل هو أسوة حسنة لك؟! •