تصور عام عن وضع إقليم تيبستي’في تشاد، السياسي والاقتصادي والامني؟

تصور عام عن وضع إقليم تيبستي السياسي والاقتصادي والامني

إن اقليم تيبيستي الواقع في اقصى شمال تشاد بمحاذاة الشريط الحدودي الليبي ويبعد عن العاصمة حوالي ألفي كلم. للإقليم تاريخ طويل وحافل للأحداث والصراعات طويلة الأمد التي أثرت على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد برمته عبر مراحل زمنية مختلفة، بدء من ثورة فرولينا الشهيرة ومرورا بالغزو الليبي وانتهاء بثورة الحركة من اجل الديموقراطية والعدالة في تشاد.

نظرا لأهمية موقعه الجغرافي والاستراتيجي أصبح هذا الإقليم ملاذا وحاضنا لكل هذه الصراعات على مر الزمان حيث لم يعش الإقليم استقرارا طوال هذه الفترات المتعاقبة بل شهد اضطرابا في كافة مستويات الحياة، فالنظام الحالي ليس بمنأى عن ذلك نتيجة لهذه التحديات الامنية طوال فترة حكمه الذي امتد ثلاثة عقود ونيف لم يستطع القيام بدوره الكامل والمنشود في إيجاد مشاريع التطور في هذا الإقليم الذي عانى من ويلات الحروب التي مزقت عوامل الاستقرار والتنمية وسببت معاناة كبيرة لسكان الإقليم إذ ازهقت ارواح الكثيرين منهم وكبدتهم خسائر فادحة في الممتلكات فضلا عن التأثيرات النفسية التي خلفتها هذه الصراعات المسلحة المتسلسلة السالفة الذكر، مما أثار دمارا في المنطقة وولدت شعورا بالتهميش والإقصاء لدى قاطنيها واستياء من النظام القائم وأدى ها الوضع غير السوي إلى ظهور جملة من المشكلات منها:

- ظهور دعوات في اوساط الشباب الى انفصال إقليم تيبيستي وضمه الى ليبيا.

- ارتفاع أصوات تنادي بدعم الحركات المتمردة من اجل تغيير النظام القائم والتي تتخذ من جنوب ليبيا مواقع لها خاصة في المناطق التي يقطن فيها أبناء التبو.

- ضعف وانعدام الولاء والانتماء للوطن نظرا لغياب دور الدولة ومؤسساتها في المشهد العام مما جعل أغلب سكان الإقليم غير موالين للنظام القائم بل معارضين له في صمت.

الأسباب التي أدت الى ظهور هذه المشكلات:

- غياب الحكم الرشيد وانتشار الظلم الاجتماعي وانعدام الأمن والأمان والاستقرار

- غياب التنمية المحلية التي تعد من وسائل الدمج السكاني بين مناطق البلاد لتحقيق وحدة الكيان السياسي جغرافيا ونقل البلاد إلى مرحلة الاستقرار التي تخفف من حدة الاحتقان السياسي القائم.

- تفشي الفقر وارتفاع نسبة البطالة في اوساط الشباب وغياب فرص العمل على الرغم من غنى المنطقة بالموارد الطبيعية والبشرية، الأمر الذي شجع الشباب على الهجرة والنزوح الى ليبيا في فترات متفاوتة واصبحت هذه الهجرات عامل عدم استقرار في تشاد، لأن هؤلاء المهاجرين بدأوا يؤججون النزاعات المسلحة القائمة حاليا في تشاد وأصبحوا حاضنين لهذه الحركات المتمردة المعادية للنظام.

- اكتشاف الذهب الذي أصبح مشكلة في حد ذاته للسكان والحكومة على حد سواء لأن تجمعات الذهب أصبحت بؤر للجرائم المنظمة العابرة للحدود وأماكن لإتجار بالممنوعات خاصة السلاح والمخدرات والاختطاف وملاذا آمنا لقطاع الطرق، وباتت هذه التجمعات تدعم حركات التمرد بالأفراد والعتاد والمؤن، وكذلك تأوي أوكار الدعارة وانتشار الامراض والأوبئة والاقتتال القبلي مما أضحت تحدي صحي وأمني.

-أبرز العوامل التي ساهمت في بروز المشكلات السابقة هي:

- غياب معايير اختيار القيادات المحلية على أسس الموضوعية والشفافية والنزاهة.

- عدم التوازن بين سلطات حاكم الإقليم ومسؤولياته على الرغم من أن الحاكم رأس السلطة التنفيذية المحلية في الإقليم ممثلا للحكومة المركزية إلا أنه لا يملك سلطة اقتراح الخطط أو الإشراف العام غير المقترن بسلطة الهيئات والمؤسسات العامة لأن تلك الاختصاصات تدخل في اختصاص الوزارات المركزية.

- غياب اعتبارات العدالة الاجتماعية والمساواة في تحديد طبيعة وحجم الخدمات التي تقدم للإقليم حيث تستأثر العاصمة بجل اهتمام الدولة بينما تتناقص الخدمات حسب البعد عن مركز السلطة الإدارية.

- ضعف السلطة التقليدية (الموروثة والمتعينة) في تعاط مع الأزمات في المنطقة لأنها مختارة على أساس مكانة اجتماعية موروثة أو على أساس تعيين من الدولة بدلا عن الصفات الأخرى كالكفاءة والجدارة والانتخاب.

- ضعف السياسيين السابقين والحاليين المنحدرين من الإقليم في لعب أدوارهم بوصفهم حلقة اتصال بين الجهات السياسية العليا والمواطنين في ايصال معاناتهم.

- إهمال دور الشباب الذي أدى بدوره إلى انتشار العنف والجريمة وفي نصب العداء للسلطة الحاكمة بحجة أن الأخيرة تعطي الأولوية للهواجس الأمنية في مقابل تهميشها وعزلها للشباب عن الممارسة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

الحلول المقترحة لما سبق ذكره:

- وضع خطة تنموية شاملة خاصة بالإقليم بإشراك الجهات المعنية لإنقاذ الإقليم ورصد الموازنة اللازمة لذلك على عجل وذلك لإيجاد ارضية مشتركة لبناء الثقة بين القيادة المركزية والاطراف المهمشة وامتصاص استيائهم.

- إنشاء منطقة تجارية حرة في المناطق المتاخمة مع الحدود الليبية لتنشيط الحركة التجارية البينية مع ليبيا، لأن مثل هذه المناطق الحرة عادة تنشئ في جزء مهمش وغير المتطور في البلاد ويؤدي في نهاية المطاف إلى جذب الاستثمارات الداخلية والخارجية وبالتالي الحد من انتشار البطالة والفقر وتنشيط اقتصاد المنطقة واستغلال الطاقات الشابة التي كانت تخاطر بحياتها في الممنوعات.

- إعطاء الأولوية في تقلد المناصب القيادية في المنطقة لأبناء المنطقة المتعلمين الذين يشهد لهم بالكفاءة والخبرة والجدارة والنزاهة.

- إضفاء طابع المنطقة أولى بالرعاية للإقليم نظرا لموقعه وبعده عن المركز ولم يحظ بنصيبه من التنمية والتطور والاهتمام مقارنة بباقي أقاليم البلاد وينعت دائما بوصفه الإقليم المتخلف.

- فتح مراكز تدريبية للتأهيل في الجيش والشرطة وبقية الأجهزة الأمنية في الدولة.

- استرجاع هيبة الدولة وفرض سلطة القانون واعتبارها أولوية الأولويات والقضاء على الظواهر الهدامة لهيبة الدولة مثل التسيب الإداري والفساد عن طريق تقوية الإدارات المحلية في الإقليم ومدها بالعناصر أكفاء لتعزيز وبناء قدراتها وتوجيهها لمؤازرة سياسات الحكومة في معالجة قضايا المواطنين.

- استتباب الأمن والقضاء على ظاهرة قطاع الطرق والنهب المسلح الذي يمتهنه أفراد وافدة محسوبين على النظام ويحتمون بقيادات الجيش المتمركزة في الحدود، والبعض من هذه القيادات متواطئة مع هؤلاء الخارجين عن القانون ويقدم لهم يد العون والمساعدة ومدهم بالعتاد الحربي والمؤن.

- إبداء المرونة في التعاطي مع الأزمات في المنطقة بإشراك أبناء المنطقة من الحكماء والأعيان والنقب في ايجاد حلول للمشاكل المستعصية.

- زيادة فرص التدريب والتعليم وبناء دور ومؤسسات لهذه الخدمات.

- توفير الخدمات الأساسية ومشاريع ذات نوعية مثل الصحة والمياه الصالحة للشرب وتأمين الغذاء.

- إزالة الألغام والتلوث وتوعية السكان بمخاطر الألغام ومخلفات الحروب والعناية بسكان الإقليم ورفع معاناة الألغام عن كاهلهم على اعتبار أنه المتضرر الأول في البلاد وأن هذا الإقليم لم ينل حظه في عمليات إزالة الألغام منذ إنشاء المفوضية الوطنية العليا لإزالة الألغام منذ قرابة العقدين والنيف، بالرغم من أنه ملوث بآفة الألغام وضرورة مقاضاة الجهات الأجنبية المسؤولة عن زرع الألغام ومطالبتها بالخرائط الإرشادية التي تدل على الأماكن الملغمة وتعويض ضحايا الألغام لجبر الضرر الذي لحق بهم.

- إنشاء صندوق خاص بالإقليم ورصد ميزانية مستقطعة من الإيرادات المتحصلة من الجمارك ومن نشاط تعدين الذهب بهدف إرساء دعائم التنمية المستدامة في الإقليم عبر أنشطة خلاقة لفرص الاستثمار لصالح أبناء الإقليم.

- تعزيز سلطة القضاء وتفعيل اجهزته عن طريق إنشاء المحاكم وبناء مؤسسات الإصلاح والتأهيل وتوفير مناخ العمل يتسم بالاستقلالية والنزاهة.

- بناء وتعزيز قدرات الموظفين في الإدارات المحلية عن طريق تدريبهم وتكوينهم عبر ورش العمل.

- تنظيم قطاع تعدين الذهب العشوائي لدرء المخاطر الصحية والاقتصادية والأمنية الناجمة عنها.

- تنشيط قطاع السياحة المهمل والمنسي طيلة الفترة الماضية في الإقليم نظرا لما له من مناظر ومعالم طبيعية وسياحية جديرة بالاهتمام.

- تفعيل دور الشباب والتركيز على ضمان التنمية المندمجة للشباب عبر إطار ميثاق ثقة جديدة يحفز على تحرير طاقات الشباب وتوجيهها وذلك بغية إعطاء نفس جديد للمبادرات الموجهة للشباب مع بلورة سياسة عمومية ملائمة لاحتضان هذه الفئة الشبابية فهم من أهم مقومات التنمية الاجتماعية كونهم حجر أساس في النهضة.

الخلاصة:

خلاصة القول هو أنه ثمة توافق على أن مسألة التنمية المحلية وإصلاح المحليات هي الضمان الحقيقي لتنفيذ السياسات العامة الفعالة لدولة ذات كفاءة عالية الجودة تستجيب للمتطلبات الاجتماعية والاقتصادية وتؤدي الى نمو حالة من الرضا الشعبي تجاه سياسات الحكومة في معالجة قضايا المواطنين وذلك في إطار استراتيجية واضحة وشاملة تنطلق من أهداف محددة حيث أن التعامل بشكل جزئي أو فردي مع عدد من قضايا الإدارة المحلية يؤدي الى نتائج محدودة وقاصرة، وأن تعزيز الحكم الرشيد وتعزيز قدرة الدولة أمر بالغ الأهمية لتحسين الظروف الاقتصادية وبناء ثقة الشعب في المؤسسات الوطنية.

وتقدم أي مجتمع رهين بإبراز الدور الفعال للشباب في صنع التغيير بوصفهم عماد المجتمع، وأن مقولة الأمن قبل التنمية هي مجرد شماعة تعلق عليها الاخطاء، فالأمن والتنمية متداخلان ومتشابكان يصعب فصلهما وبالتالي يجب التعامل معهما على قدم وساق دون اهمال أي منهما.