++++++++++++++++++++++++++++++++++++
================
منذ 400 عام يثير الكاتب المسرحي الأشهر في تاريخ الانسانيَّة وليام جون شكسبير غبارا كثيفا حول سيرته وكتاباته وحياته وعقيدته وثقافته وهي اشكاليات انطلقت من أهل عصره فقد أثارت عبقريَّته الغامضة حسد وشكوك النخب "الفيكتورية النبيلة" التي استعظمت أن يكون لشخص من غير الطبقة المثقفة العالية المخملية شأن ومكانة خاصَّة إن كان هذا الشخص عصاميَّا لم يتلق تكوينا تعليميا متينا في المدارس والجامعات يقول الباحث الكويتي محمد الحجيري "
"بدأت الأسئلة حول هوية مؤلف «هاملت»، مع أبناء جلدته الفيكتوريين، الذين رفضوا أن يصدّقوا أن ابن أسرة فقيرة يستطيع كتابة شعر ومسرحيات بهذا المستوى، وبحثوا عن الفاعل بين أبناء الطبقة العليا كريستوفر مارلو، المسرحي الآخر في زمن شكسبير، إدوارد دي فير، النبيل والشاعر المسرحي، وإرل داربي السادس، الجامعي وعاشق المسرح." إلاّ أن هؤلاء الفيكتوريين لم يتوصلوا إلى دليل واحد مقنع. وقد عزا البروفسور بريان فيكرز، الخبير الشكسبيري، شكّهم في هوية الشاعر، إلى الجهل والتكبّر الطبقي. واستمرت هذه الوتيرة التشكيكية ولم يشعر بعض غلاة الكتابة من هتك الشخصية الشكسبيرية، وحول كل كلمة ملتبسة في حياة شكسبير يبنون جبلاً من الكلمات والدراسات. فالناقد هارولد تريبيون يحلل متسائلاً كيف لابن تاجر ريفي لا يتمتع بأي ثقافة عالية أن يكتب مثل هذه الروائع. ويقول الصحافي انطوني أوليير سكوت مستنداً إلى عدد من «المشككين»: لا أحد يعرف الكثير عن شكسبير سوى أنه اشترى أراض، وأقرض مالاً، ولاحق الذين لم يسددوا وأنه مثل في فرقة لندنية، وأوصى بأن يدفن في مسقط رأسه. فلم يترك لا كتباً ولا وثائق.
وقبل الخوض في مسألة متصلة بالقضايا التي أثيرت حول سيرة شكسبير وأدبه هي مسألة أصوله علينا أن نبيَّن أن البحث في هذه المسألة ليست ترفا فكريَّا لا معنى له ولا قيمة فمسألة الأصول مرتبطة بالموارد والثقافة والكون الفني مثلما هي مرتبطة بالقيمة الفنيَّة فلم يقع البحث والشك في الأصول فقط بل في نسبة الأعمال الفنية الخالدة الى الرجل
لقد وقع اعتبار شكسبير من أصول عربيَّة أمرا مضحكا وغريبا وداخلا في تلك السجالات التمجيديَّة الرعناء التي تحاول التعويض عن التخلف الحضاري والعلمي للعرب في العصر الراهن بنسبة كل منجزات الحضارة الغربية السياسية والعلمية والثقافية والفلسفية الى جذور عربية
ولكن لم يكن العرب وحدهم من نسب المسرحي الانكليزي وليام شكسبير الى غير جنسيته المعروفة فقد وقعت نسبته إلى إيطاليا وإلى الأمَّة التركيَّة وإلى يهود الديسبورا
فالكاتب جون هادسون يرى أنَّ شكسبير شخص وهمي، وأن جميع ما كُتب تحت هذا الاسم يعود إلى امرأة يهودية اسمها اميليا بوسانو لانييه، وهي ابنة لأم وأب يهوديين هاجرا من إيطاليا. وذهب هادسون إلى أنَّ هذه المرأة انتحلت اسم الرجل «شكسبير» عمداً كي تتجنب الوقوع في مصائب كانت تنتظر كل امرأة مبدعة في ذلك العصر
أمَّاالباحث الباحث الإيطالي مارتينيو ايفار، أستاذ الأدب في جامعة صقلية، فقد ادَّعى بأن شكسبير من عائلة صقلية هاجرت إلى إنكلترا بسبب الاضطهاد الديني، وبأن اسمه الحقيقي هو كرولانزا. دليله إلى ذلك أنَّ كلمة شكسبير هي المقابل لاسم عائلة كرولانزا في الإيطالية!
أمَّا الباحث والمؤرخ التركي ذائع الصيت "قادر مصر اوغلو" فقد أعلن أنَّ شكسبير كان مسلما تركيَّا وأن والده فرَّ الى انكلترا واضطر الى اعتماد التقيَّة وصاهر عائلة ثريَّة وانَّه تعرَّض الى التشكيك في عقيدته وحوكم أمَّا ابنه فقد ورث ثقافة والده وسلك مسلكه وأنَّ الوالد كان اسمه "الشيخ بير" وهو اسم تركي وكان موقف المؤرخ مثار سخرية من الصحف المقربة من التيارات العلمانية التركية التي اتهمته بالهوس التاريخي والتفكير بطريقة "عثمانيَّة"
وعلى الجانب العربي ظهرت نسبة شكسبير الى العرب في بداية الستينات مع المد القومي العربي فقد كتب اللغوي الاديب "محمد مصطفى بدوي كتاب شكسبير والعرب سنة 1964 مؤكدا أن علاقة المسرحي الانجليزي بالعرب واضحة ومؤكدة وأنَّ أعماله الكبيرة المعروفة كانت بروح عربيَّة واضحة وهو ما اكدته بعد سنوات الباحثة والناقدة العراقيَّة فريال غزوللي في كتابها "عربيَّة عطيل"
ولكن هذه النسبة لم تتجاوز الحديث عن دائرة التأثير والتأثر والسجاليَّة التاريخيَّة والحضاريَّة حتى أصبحت أمرا جديَّا عندما تدخل مختصان متمكّنان من الأدبين العربي والانكليزي هما الناقد وأستاذ كرسي الادب العربي في جامعة لندن كمال أبو ديب و الدكتور العراقي صفاء خلوصي (1917/1995) أستاذ الأدب المقارن في جامعة اكسفورد الذي دافع عن فكرة عروبة وليام شكسبير ونشرها لأول مرة في بحث علمي في مجلة المعرفة عام 1960، ثم أعاد نشرها في مجلة العربي (العدد 56) عام 1964 في مقالة بعنوان : "الملامح العربية في شكسبير وأدبه" يقول الدكتور خلوصي: "بغض النظر عن أصل الكاتب ويليام شكسبير سواء أكان أنكليزيا أم غير إنكليزي فإن شخصيته وملامح وجهه وأفكاره التي أنعكست على شخصياته ، جميعها متطبعة بطابع عربي محض"
ويقول الكاتب د. صفاء خلوصي بأن ملامح وجه شكسبير هي عربية فجبهته عريضة متراجعة الى الوراء نتيجة الصلع وعيناه سوداوان يعلوهما حاجبين كثين وله أنف طويل وذقن وهي ملامح عربية وليست أوربية، والأهم من ذلك كله أنه اشتهر بوضع قرط في أذنه اليسرى وهي عادة شرقية كانت ترتبط قديماً بالطلاسم والتعاويذ، وكانت سائدة لدى أهل الشرق جميعاً منذ القدم ما عدا اليهود والمصريون القدماء، ولم يكن الأوربيون يعرفونها في ذلك الوقت
رأى الكاتب والاديب د. صفاء خلوصي بأن النتاجات الأدبية لشكسبير إتسمت جميعها بتوفر عناصر وسمات شرقية -عربية مستمدة من القصص والحكايات العربية القديمة نذكرها نقلاً عن مقالته كما يلي بإختصار لأنه وثقها بصورة أكثر تفصيلية
أولاً : قصة عطيل (أوتيلو) هي مقتبسة من قصص الف ليلة وليلة وبالذات قصة: "قمر الزمان ومعشوقته" وبطلها هو أبو عبيد الله الجوهري وفي أسم أوتيلو شبهاً واضحاً مع أسم عبيد الله كما تنتهي قصة عطيل بنفس النهاية المأساوية لقصة قمر الزمان
ثانياً : تاجر البندقية هذه القصة الشكسبيرية هي نسخة من قصة "حكاية مسرور التاجر وزين المواصف" على أن مصير اليهودي في قصة الف ليلة وليلة أفظع من مصيره في قصة شكسبير تاجر البندقية
ثالثاً: مسرحية روميو وجولييت، هي مزيج لقصتي "قيس وليلى" ، و"قيس ولبنى" الشهيرتين وكلتا القصتين ترويان أحداثاً عن الحب العذري الذي يعد صفة مميزة للعواطف العربية بل وكان قيس عاشق ليلى يلقب بالمجنون ، فإكتسب شكسبير هذه العناصر وأنشأ عليها قصته الشهيرة بروميو وجولييت الى درجة أن وصف المجنون قد ورد في قصته أيضاً على غرار مجنون ليلى، حيث كان روميو يوصف بذلك اللقب، ومن جانب ثانٍ كانت صفات جولييت مشابهة لصفات المرأة العربية ومنها العينين السوداوان فضلاً عن الكثير من القيم الأخلاقية الشرقية التي وردت في احاديث أبطال القصة على شاكلة الحب العذري، والطهارة والنقاء والإيمان بالقضاء والقدر حيث قال روميو: "أن ما يجب أن يكون سيكون" وغير ذلك مما لم يكن متداولاً في الأدب الأوربي
رابعاً : مسرحية "ماكبث" والتي تتألف من ثلاث قصص فقد جاءت بأحداث مشابهة لقصص " السواحر الثلاثة، وقصة زرقاء اليمامة، وقصة الملك الحميري.
خامساً : مسرحية "العاصفة" لشكسبير هي محاكاة لقصة : "حكاية جزيرة الكنوز" في الف ليلة وليلة ، فكلتا القصتين مليئتان بالسحرة والشياطين التي تأتمر بأمر سلطان الجزيرة
سادساً : التصوف في فكر شكسبير: يقول الدكتور خلوصي بأن جميع شخصيات قصص شكسبير والنقاشات الواردة كانت تتسم بالزهد والفكر التصوفي والتي جاءت في أوضح صورها في مسرحية "الملك ريتشارد الثاني" الذي عزف عن المجد الدنيوي وحب الهيمنة فعافهما بعد أن زهد فيهما
ويختتم الدكتور خلوصي مقالته بالقول أن لم يكن شكسبير من أصل عربي فهو ولا شك قد تأثر كثيراُ بالشخصية العربية والأفكار العربية بما فيها من قيم وصفات، والدليل على ذلك أنه ذكر دولاً عربية مثل العراق ومصر وسوريا في قصصه كما صور في وصفه الأدبي مدناً مثل دمشق وحلب وصور والقدس والإسكندرية كما ورد ذكر نهري دجلة والفرات في أعماله
أما الناقد السوري " كمال أبو ديب " فقال في كتاب أصدره حديثاً تحت عنوان " سونيتات أو تواشيح وليم شكسبير "