:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
فى مجتمعات العالم الثالث والدى يطحنه التخلف ويسوده الجهل تصبح الموضوعية فى تناول القضايا السياسية ضرب من المستحيل... فهده المجتمعات مصابة بفيروس الثنائية فى منهج التفكير بمعنى ثنائى التفكير فقط ...ابيض او اسود ليس هناك خيار ثالث ...عندها تدرك انه ومند الوهلة الاولى لعرضك لاىء فكرة او رأى ليس لك خيار الا ان تكون مع اوضد.. فعلى هده الاجابة يتوقف موقفهم منك ومن كل شىء ويقيمك الآخرين على كل شىء من علاقتك الشخصية باسرتك وما تسر وتعلن حتى علاقتك بنظام الدولة..كان لابد من هذه المقدمة الموجزة لاستدعاء خيار ثالث ليس ثنائى مزدوج بل ثالث مستقل بمعنى ليس مع اوضد... و ليس ابيض او اسود حتى يستقيم منهج الحوارفى تناول عنوان هدا المقال؟..
ليس من الممكن اختزال نصف قرن تقريبا من عمر نظام سياسى وتقييمه فى مقال وفى بضع كلمات فهذا متروك للتاريخ ولكن من الممكن دراسة منهج الفكر السياسى والايدلوجى لهدا النظام والدى انعكس على واقع المجتمع الليبى لعقود من الزمن تحت هدا النظام...
ليبيا دولة من دول العالم الثالث تقع فى شمال افريقيا يسكنها 6 مليون نسمة مجتمع دو تركيبة قبلية وعشائرية ...دولة تعرضت للاحتلال والاستعمار على مدى قرون وافرزت هده المرحلة وما قبلها ثقافة كانت مزيج من البداوة والحضر ..امتزجت فيها الاعراق والاجناس مما نتج عنها انصهارفى الافكار وتلاقح فى الثقافات وتداخل فى الديانات قبل ان يسود الدين الاسلامى ويصبح الدين الوحيد لهذا المجتمع. كل مستعمر ترك بصمته وآثار... من فرسان القديس يوحنا الى الاتراك الى الايطاليين وقبلها الرومان والاغريق ...الاستثناء الوحيد فى تاريخ ليبيا هو ان حكمها بدوى من صحراءها اربعون عاما و أسس دولة بعد ان طرد آخر مستعمر كان يحتلها, غابت فى هذه المرحلة ثقافة الخضوع و الولاء للمستعمر واستبدلت عنها بثقافة الولاء و الخضوع للحاكم ابن الوطن... بايع الليبيون خلالها وبدون استثناء الاخ العقيد انشدوا وغنوا ورقصوا وقدموا له عهود الولاء والطاعة لم اجد فى ارشيف الدولة الليبية السابق قبيلة او منطقة او اقلية لم تقدم وثيقة عهد ومبايعة للاخ العقيد كما يحب ان يسمى, الى هنا كان الامر طبيعيا ولم يختلف عما هو فى الجوار من الدول ولكن اختلف الوضع بفرض نظام جديد وهو ما سميى بنظام سلطة الشعب مند عام 1977 م فهدا النظام السياسى والاقتصادى لم يكن معروفا لدى الليبيين ولم يكن معروفا لدى دول الجوار بل لم يكن معروفا بالعالم أسره وشعر الليبيون بانهم استثناء بالمنطقة فانقسموا بين مؤيد فى العلن يظهر اعجابه وهم الاغلبية ومعارض فى السر لا يستطيع البوح بمعارضته ولكنه نافق فى سبيل الاستفادة لمصلحته . وعمت مقولات الكتاب الاخضر وصور العقيد شوارع ليبيا وتداول الليبيون المصطلحات السياسية المستوحاة من الكتاب الاخضر دون ان يستصيغ او يفهم العالم هده المصطلحات وتم تطبيق بعضا من هده المقولات والتى مست واقع المواطن ونتجت عنها اجراءات ادارية طالت ممتلكات المواطن ومعاشه فانزعج الراسماليون من ابناء المجتمع الليبى وقرروا محاربة النظام بالتشكيك فى مقولاته والطعن فى تطبيقاته وقرر المسيسون من دوى التوجهات الاخرى من قوميين وشيوعيين واسلاميين محاربة النظام سرا واستغلال كل ما امكن لافشال خططه..وهنا تدخل الغرب وهو صاحب قضية ليثأر لنفسه على الهزيمة والتى لحقت به على مدى اربعون عاما وفقد خلالها امتيازات منهاالقواعده العسكرية, والنفط والموقع الاسترتيجى حيث وجد ضالته فى معارضى النظام فامدهم بما امكن سرا وعلانيةا حتي وصل الامر الى درجة العدوان المباشر على ليبيا ولاكثر من مرة.
لقد تبنى القدافى الفكر القومى والدى يؤمن بان الرقعة الجغرافية والتى تقع بين الميحط الاطلسى غربا والخليج العربى شرقا هو وطن للعرب وما وجود القوميات والاقليات الاخرى فى هده الرقعة الا هو استثناء للتاريخ والجغرافيا وعليه يجب اخضاعهم للعيش فى كنف الدولة القومية دون المطالبة باى حقوق لاى اقلية وكانت سياساته القومية واضحة فى ليبيا ابتداء من تسمية الدولة والتى لم تغب عنها الصفة العربية الى تسمية مؤسسات الدولة السيادية والتى لم تغب عنها هى الاخرى الصفة العربية.
لقد حقق القدافى جملة من الانجازات كزعيم وطنى قاد ثورة على نظام ملكى كان يحكم ليبيا حيث طرد المستعمر واجلاء القواعد العسكرية الاجنبية من على ارض ليبيا وامم النفط الليبى وانشاء المشاريع الاسكانية والتعليمية والصحية لشعب كان شبه محروم منها لعقود وجعل من ليبيا دولة دات سيادة يحسب لها الف حساب فى محيطها العربى والافريقى والعالمى.
وعلى الصعيد الشخصى كان الرجل نزيها لم يسرق اموال الشعب ولم يهربها للخارج كما يتهمه البعض ولم يعيش بهرجت الحاكم من قصور وخدم وحشم عاش حياة التقشف وفرضها حتى على الليبين..و بدلك وفر ثروة للاجيال القادمة من الليبيين ودلك لضمان مستقبلهم كما يقول.
ولكنه بقدر ما حقق من انجازات فقد اخفق فى الكثير منها وهده هى سمة الانظمة الاستبدادية الفردية والتى لا تقبل الرأى الاخر او المشاركة فى الحكم ان ما سماه بنظام سلطة الشعب والمؤتمرات الشعبية كان نظاما شكليا حيث كان هو الحاكم الفعلى من وراء الكواليس... لا تنعقد هده المؤتمرات ولا تشكل حكومة الا بامره وتوجيهاته . الشعب الليبى كان يعرف هدا ولكنه غض الطرف خوفا وطمعا وعندما اراد ان يعبر عن رفضه عن دلك بالعزوف بعدم الحضور والمشاركة كان الاوان قد فات وكانت الحكومة العميقة قد مدت جدورها واستحودت على مراكز القوة وصنع القرار .
القدافى القارىء الجيد للتاريخ لم يستفد من تجارب التاريخ والتى تقول ان الفلاسفة واصحاب النظريات الانسانية لم يعيشوا ليستمتعوا بمشاهدة نجاح تطبيق نظرياتهم على ارض الواقع ورحلوا قبل دلك بطرق شتى ...كان عليه ان لا ينسى دلك وكان عليه ان لا يحرص على فرض فلسفته فى الحكم على الليبيين ويترك لهم الخيار فى القبول من عدمه.
احد اعظم اخطاء القدافى انه كان يرى فى نفسه بانه ليبيا ( القدافى هو ليبيا وليبيا هى القدافى) هدا التوحد جعله لا يدرك حقيقة ان قداسة الاوطان لا ترتبط بالاشخاص حتى وان كان للاشخاص بعض الفضل على الاوطان.. وان جيلا جديدا بعث ينشد الحياة فى ظل نظام عالمى جديد وهو نظام العولمة والتى دابت فيه الحدود وفقدت فيها الاوطان المعنى التقليدى لمفهوم السيادة الوطنية لتضيع وسط الزحام قداسة الرموزها الوطنية.
الخطأ التالى للقدافى هو دخوله فى صراعات وتحديات اقليمية ودولية على مدى اربعون عاما كانت سببا فى كسب عداوات لا مبرر لها وبقدر ما نال خلالها من شهرة لكن اكسبته عداوات دائمة مع الغرب. كان الغرب يتحيين الفرص بدهاء وخبث حتى واتته الفرصة للتخلص منه.
الخطأ التالى للقدافى انه لم يجب على السؤال الملح والدى كان يطرحه جل الليبيون فى جلساتهم الخاصة وهو من سيحكم بعدك يا عقيد؟ ان مقولة السلطة للشعب والشعب يحكم نفسه بنفسه والدى كان يرددها القدافى حتى فى آخر ايامه اثبتت عدم صحتها والدليل هو ما نشاهده الان فى المشهد الليبى بعد غيابه وهدا دليل آخر بانه كان هو الحاكم الفعلى وليس الليبيين.
القدافى كان يملك الوقت وهو اثنان واربعون سنة فى الحكم.. وكان يملك المال وهو ما يقدر بالف مليار من عائدات النفط.. وكان الى حد كبير يحضى بولاء الشعب الليبى الزاهد فى السلطة ؟هده العوامل الثلاث كانت كفيلة بتأسيس نظام ديمقراطى ما بعد مرحلة القدافى يعيش فيه الليبيون بأمن وسلام وحرية ولكنه لم يستغل هده العوامل ولم يؤسس هدا النظام ؟واخشى ان هده العوامل الثلاث لا تتكرر فى تاريخ ليبيا القريب؟
الفكر القومى والدى تبناه القدافى على مدى تاريخ حكمه همش وجود الاقليات العرقية الاخرى وهى مكونات اساسية فى تركيبة ليبيا الاجتماعية وهم الامازيغ والطوارق والتبو وكان يعرف بانها مشكلة مؤجلة قابلة للانفجار رغم استعماله وسائل متعددة لطمس هويتها مثل محاولات تعريب هده الاقليات ودمجها فى الكيان العربى الليبى والتى فشلت ولم يكتب لها النجاح والدليل هو ما نشاهده الان من تشكل هده الاقليات فى ثقافاتها وكيانها الجغرافى ومطالباتها بحقوقها الدستورية؟
ان التاريخ كفيل بأنصاف القدافى رغم كل ما قيل وكتب عنه وما دكرنا من نقاط سوء كانت فى صالحه او ضده لا ثمتل شيئا فى شهادة التاريخ ...الا اننى ارى ومن وجهة نظر شخصية ان الشهادة ستكون لصالحه رغم كل اخطاءه واعتقد جازما ان التاريخ انصفه مبكرا حيث استشهد مدافعا عن ارضه ضد استعمار اجنبى بقيادة ثمان واربعون دولة .تباوي ودبلوماسي سابق